صرخت في عقلي " ماذنبي؟؟؟؟ " لم استطع ايجاد اجابة لهذا السؤال .. اني اعيش في غرفة لا تسع لشخص واحد
ولكنني على اي حال اقطنها مع فتاة اخرى في نفس عمري اننا جميعاً في السابعة عشر من عمرنا .
ان هذا ليس سجن عادي ، لا يسكن هذا السجن القاتلون المتسلسلون او السارقون المحترفون او الإراهبيون
يسكن في هذا السجن " الابرياء " نعم .. الابرياء ، كل الذين يقطنون في هذا السجن ابرياء
ذنبهم الوحيد انهم ابناء لاباء جاهدوا بارواحهم وابنائهم من اجل الحريّة من حكّام هذه البلد .
قبل 4 شهور ذهبت امي وابي للمظاهرة ضد الحاكم " بشّار " ، تركوني عند جدتي العجوز
كان من المفترض ان تهتم بي ولكني قمت بالاهتمام بها .. لقد غاب ابي وامي اسبوعان
مازلت اتذكر كيف كنت استمر بالتحديق الى شاشة التلفاز على أمل ان اراهم هناك . ولكن لا جدوى
بعد مرور الاسبوع الثالث تفاجئت باحدهم يدق الباب بكل قوته حتى احسست ان الباب سوف يُنزع من مكانه
فرحت حقاً ، ظننت انهم والديّ لكن تفاجئت بصوت غليظ يأمر : " افتحوا الباب او نزعته " .. هذا ليس صوت ابي !!!!!!
اشارت جدتي بان اصمت ثم سالت بصوتها المرتجف : " من هناك؟ "
قال لها الصوت الغليظ : " هنا الشرطة ، انا أأمرك بفتح الباب "
اخبرتني جدتي بان علي الاختباء في اي مكان ، ولكن لماذا؟ لم اكن ادري؟ كنت مرتبكه حقاً .. سمعت صوت الباب ينفتح
لم يسعني الا ان دخلت الى دولاب ملابس جدتي الخشبي وحبست انفاسي
سمعت صوت جدتي : " لا يوجد رجال في المنزل ، عارٌ عليك التواجد هنا "
سأل الصوت الغليظ مراراً : " هل تعرفين فرح و يوسف الخطيب؟ " .. تسالت في نفسي لماذا يسال هذا الرجل عن امي وابي؟
قالت جدتي بصوت فخور : " نعم ان فرح هي ابنتي الشجاعة "
ما إن مرت ثواني على كلامها حتى اسمع صراخها يتلاشى ، اردت التحرك اردت فعل اي شيء لكني فتاة في السابعة عشر ماذا عساي ان افعل !
كنت ابكي بصمت داخل الدولاب ، لم اكن اعرف ماعلي فعله .. لقد تركتهم يأخذون جدتي !!
قام رجال اخرون بتفتيش المنزل وكنت اسمع اصوات كؤوس تتكسر واثاث ينقلب
ومع كل خطوه يقترب الرجال من الدولاب كان قلبي ينبض اكثر وكأنني على وشك الموت !
عاد الصوت الغليظ مره اخرى قائلاً : " اعرف انك هنا ، هيا تعالي لن نؤذيك "
كنت في حالة صمت وكنت اترقب من خلال فتحه صغيرة في الدولاب ، ما إن رأيت شخصاً أسمر اللون عريض المنكبين يدنو من الدولاب
يدنو ببطىء وكأنما اراد تعذيبي ، اقترب كثيراً لدرجة اني لا ارى غير السواد من خلال هذه الفتحه اغمضت عيني ودعيت ربي " ارجوك ، ايقظني من هذا الكابوس .. ارجوك "
فتح الصوت الغليظ الدولاب بهدوء وبرود بدأت اصرخ كالمجنونه : " ارجوك ! لا تأخذني " " انا فتاة ارجوك ماذا عساي ان افعل؟ " " ارجوك " " الى اين ساذهب "
امسكني من شعري واخبر باقي اعضاء فريقه بان يمسكوني .. البسوني كيسا على وجهي لكي لا ارى اي شيء وطوقوا كلتا يدي
ادخلوني الى حافلة او باص لم اكن اعلم ماهذا الشيء بحق الحجيم !
بدأت اشعر بان اشخاص معي في هذه الحافله .. بدأت بتفقد الاشياء برجلي الى ان لامست شعراً طويلاً همست : " هل من احد هنا؟ "
رجوت من كل قلبي ان يجاوبني احد ، لكن الصمت كان مزعجاً في تلك اللحظة .. حاولت ان انزعل الكيس الذي يغطي وجهي ولكن لا فائدة
بعد مرور نصف ساعة توقفت السيارة وفتحوا الباب وبدأوا باخراجنا ، امسكت بي يد ضخمه جداً ودفعتني نحو اشخاص اخرون
لا استطيع ان ارى شيء لكني استطعت الاحساس بوجود رجلان يقفان بجانبي ، ادخلونا الى غرفة واخيراً قاموا بنزع غطاء الرأس من علي وفكوا القيود
في تلك الغرفة يوجد الكثير الكثير من الناس الصامتين ، بدأت بالتساؤل بصوت عالي : " ماذا حدث؟ هل يعلم احد؟ "
وكالعادة لم يرد علي احد ، كررت السؤال : " لماذا انا هنا؟ ماذا يحدث؟ " .. أجابتني فتاة ذات شعر اشقر ناعم وعينان رماديتين وشفتين ممتلئتين بلون الزهر
انها اشبه بالملاك : " الا تستطيعين تحليل الامور؟ انت هنا بسبب امك واباك " .. اجبت : " لم افهم ! "
اجابت : " جميع ابائنا تظاهروا في الميدان ، جميعنا فقدنا ابائنا بسبب تلك المظاهره نصف من ابائنا ماتوا والنصف الاخر سجنوا مع التعذيب !
واعتقد اننا سنسجن نحن ايضاً ! "
بدأت الدنيا تدور في رأسي ، مع كل الناس حولي الا انني احسست بالوحدة للمرة الاولى .. اين امي وابي؟ جدتي ! ماذا قد فعلوا بها
قمت من مكاني وانا اطرق الباب بكل ما أوتيت من القوة وابكي قائله : " افتحوا افتحوا ، اريد امي ، افتحوا ايها المجانين ياجبناء افتحوا "
لا ارى اي رد او اي صوت ، اتلفت حولي لكي ارى وجوهاً تعيسه جداً .. بل وجوهاً بلا ملامح ، لم يستطع الحزن رسم ملامحه على تلك الوجوه
اللاشيء رسم ملامحه على تلك الوجوه اليائسة من الامل .. صرخت : " هل ستبقون هكذا صامتين !!!!!! "
لم اجد اي اجابه ، ركعت وبدأت بالبكاء جلسنا في تلك الغرفه صامتين لمدة 3 ساعات
الى ان فتحوا الباب وقاموا بتقسيم الغرفه لقسمين ، اليمين للفتيات واليسار للشبان .. قاموا بادخالنا الى غرفه صغيره مليئه بالاكياس البرتقاليه
وقاموا بتجريدنا من الملابس والبسونها هذا الكيس البرتقالي .. اصطفينا طابور امام باب كبير جداً
ادخلونا واحده واحده .. وعندما جاء دوري ارتبكت كثيراً لاني لاعلم لاين ساذهب وماذا سيفعلون بي !
اجلسوني على مقعد خشبي وقام رجل اشبه بالدكتور يلبس الابيض والقفازات بحلاقه شعري .
كيف يحق لهم ذلك ! انه شعري ! سالت بصوت ممزوج بالبكاء : " لماذا؟ " لم اتلقى اجابه
لا اتوقع اجابه على اي حال ، أصبحت صلعاء كوالدي .
رموني داخل حجره صغيره جداً جداً مع فتاة من نفس عمري
جلست بالركن ابكي وانتظر متى استيقظ من هذا الكابوس ، نعم انه كابوس .. لابد ان يكون كابوس !
ماذنبي انا بخطأ ارتكبه والديّ ! ساستيقظ من هذا الكابوس وسوف اعد الفطور لجدتي وكل شيء سيصبح على مايرام نعم !
غفوت تلك الليلة باعيني المتعبه .